قواعد في تعبير الرؤيا-مقال للشيخ محمد بن عمر بازمول 13،12

القاعدة الثانية عشرة

معبر الرؤيا مجتهد في تفسير هذا الجزء من وحي النبوة

فلا يجوز أن يفسر الرؤيا أي أحد، و لا يخوض في ذلك أي أحد، لابد أن يكون ممن لديه القدرة على ذلك، فلا يتلاعب بهذا الجزء من النبوة. ولذلك لا يخبر بها إلا عالما أو ناصحاً.

أخرج الترمذي تحت رقم (2280)، والدارمي (2/ 1364، تحت رقم 2193)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “الرُّؤْيَا ثَلَاثٌ، فَرُؤْيَا حَقٌّ، وَرُؤْيَا يُحَدِّثُ بِهَا الرَّجُلُ نَفْسَهُ، وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ فَمَنْ رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ”.

وَكَانَ يَقُولُ: “يُعْجِبُنِي الْقَيْدُ وَأَكْرَهُ الْغُلَّ” الْقَيْدُ: ثَبَاتٌ فِي الدِّينِ .

وَكَانَ يَقُولُ: “مَنْ رَآنِي فَإِنِّي أَنَا هُوَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلشَّيْطَانِ أَنْ يَتَمَثَّلَ بِي”.

وَكَانَ يَقُولُ: “لَا تُقَصُّ الرُّؤْيَا إِلَّا عَلَى عَالِمٍ أَوْ نَاصِحٍ”.

والحديث قال الترمذي : “هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ”اهـ، وصححه الألباني ومحقق سنن الدارمي. وفي المستدرك (4/ 391، تحت رقم 8177) عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الرُّؤْيَا تَقَعُ عَلَى مَا تُعَبَّرُ ، وَمَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ رَجُلٍ رَفَعَ رِجْلَهُ فَهُوَ يَنْتَظِرُ مَتَى يَضَعُهَا ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا فَلاَ يُحَدِّثْ بِهَا إِلاَّ نَاصِحًا أَوْ عَالِمًا”، والحديث قال الحاكم: “هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ”اهـ، وهو عند عبدالرزاق في المصنف (11/ 212، تحت رقم 20354) عن أبي قلابة مرسلاً.

قال ابن عبدالبر رحمه الله (التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (1/ 287- 288): “وَأَوْلَى مَا اعْتُمِدَ عَلَيْهِ فِي عِبَارَةِ الرُّؤْيَا وَالْأَدَبِ فِيهَا لِمَنْ رَآهَا أَوْ قُصَّتْ عَلَيْهِ مَا حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُفَسِّرِ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : “إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الرُّؤْيَا تُعْجِبُهُ فَلْيَذْكُرْهَا وَلْيُفَسِّرْهَا وإذا رأى أحدكم الرؤيا تسوؤه فَلَا يَذْكُرْهَا وَلَا يُفَسِّرْهَا”. وَقِيلَ لِمَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَيَعْبُرُ الرُّؤْيَا كُلُّ أَحَدٍ فَقَالَ أَبِالنُّبُوَّةِ يُلْعَبُ.

وَقَالَ مَالِكٌ : لَا يَعْبُرُ الرُّؤْيَا إِلَّا مَنْ يُحْسِنُهَا فَإِنْ رَأَى خَيْرًا أَخْبَرَ بِهِ وَإِنْ رَأَى مَكْرُوهًا فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ.

قِيلَ : فَهَلْ يَعْبُرُهَا عَلَى الْخَيْرِ وَهِيَ عِنْدَهُ عَلَى الْمَكْرُوهِ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّهَا عَلَى مَا أُوِّلَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ لَا ثُمَّ قَالَ الرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنَ النُّبُوَّةِ فَلَا يُتَلَاعَبُ بِالنُّبُوَّةِ”اهـ

القاعدة الثالثة عشرة

من تعبير الرؤيا ما يكون هبة من الله تعالى

قال تعالى: ?وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آَلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ? (يوسف:6).

فيه أن تعبير الرؤيا يحصل بهبة من الله، فلا يحصل لأي أحد، وهذا القواعد مساعدة ومعينة للاسترشاد بها، حتى تتكون الملكة بإذن الله. وإنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم.

وتتشذب الموهبة وتقوى بهذه القواعد .

وما يستفاد من كون الرؤيا جزءا من ستة وأربعين جزءا من النبوة، أنه لا يفسرها بغير علم كما لا يتكلم في معاني الوحي من غير علم.

ويستفاد أنه يجري في استنباط المعاني من الرؤيا كما يجري في الوحي، فتجد المعبر يستدل لتفسيره بالقرآن والسنة والقياس .

وقد ذكر أن بعض من يعبر الرؤى فقال: “علمت في نفسي تفسير الرؤى وأنا صغير، كنت إذا سمعت الرؤيا يأتي في نفسي تفسيرها، بدون أن أعلم كيف جاء ذلك” . وهذه الموهبة التي يضعها الله عزوجل في الشخص، ويمكن أن يتعلم الإنسان قواعد التعبير حتى تكون لديه ملكة قوية في ذلك تقارب الموهبة.

قال الباجي رحمه الله في المنتقى شرح الموطإ (7/ 277): “وَلَا يُعَبِّرُ الرُّؤْيَا إلَّا مَنْ يُحْسِنُهَا، وَأَمَّا مَنْ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ وَلَا يُحْسِنُهَا فَلْيَتْرُكْ، وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ يُعَبِّرُ الرُّؤْيَا لِكُلِّ أَحَدٍ قَالَ: أَبِالنُّبُوَّةِ يَلْعَبُ قِيلَ لَهُ أَفَيُعَبِّرُهَا عَلَى الْخَيْرِ وَهِيَ عِنْدَهُ عَلَى الشَّرِّ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ الرُّؤْيَا عَلَى مَا أُوِّلَتْ فَقَالَ: لَا إنَّ الرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ أَفَيَتَلَاعَبُ بِأَمْرٍ مِنْ أُمُورِ النُّبُوَّةِ.

وَقَدْ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – فِي رُؤْيَا عَائِشَةَ لَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – هَذَا وَاحِدٌ مِنْ أَقْمَارِك وَهُوَ خَيْرُهُمْ وَكَرِهَ أَنْ يَتَكَلَّمَ أَوَّلًا وَإِنَّمَا يَنْبَغِي لِلْعَابِرِ إنْ رَأَى خَيْرًا أَنْ يَذْكُرَهُ وَإِنْ رَأَى مَكْرُوهًا قَالَ: خَيْرًا أَوْ صَمَتَ وَقَالَ: جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَعْنَى قَوْلِهِ خَيْرًا أَنْ يَقُولَ خَيْرًا لَنَا وَشَرًّا لِعَدُوِّنَا”اهـ.

 

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

اترك رداً